هذه عبارة نطقها طفل من أهل قطاع غزة من داخل إحدى بيوت الله المدمرة التي استهدفها القصف الصهيوني، قالها الطفل أمجد على وقع أصوات الانفجارات والمروحيات، وهو في اعتقادي لم يجاوز الرابعة عشر من عمره. كان يتحدث بطلاقة وثبات وعزة وفخار، بلسان عربي فصيح، حلل الوضع القائم في فلسطين والمنطقة، وصال وجال، وأجاب بحكمة وبلاغة على أسئلة كان يطلقها عليه زميله طارق، تحدث عن حقيقة هذا الصراع فقال إنه صراع من أجل هذا الدين، وإنها حرب بين مشرعين: مشروع صهيوأمريكي في مواجهة مشروع لا إله إلا الله، خاطب حكام الأمة العربية بكلمات مؤثرة تخر لها خاشعة أشد القلوب قساوة وصلابة وغشاوة، خاطبهم بمنطق الإنسانية وحق الجوار، ثم بلغة العقيدة والوعيد، حذرهم من يوم يقفون فيه بين يدي الله جل جلاله ليسألهم فيه عن هذه النفوس البريئة المزهقة والأشلاء المبعثرة والمساجد المهدمة والمصاحف الممزقة، لماذا لم تهبوا لنصرتها والذود عنها ؟؟ بربكم ماذا ستجيبون ؟؟ وفي سؤال لزميله عن ما يقول إزاء الأطفال الذين يقتلون بغير ذنب والمساجد والمنازل المهدمة أجاب أمجد: "إن العالم استقبل العام الجديد بالأغاني والموسيقى، وزين الشوارع بأشجار العيد وزار المنتزهات، أما نحن في غزة فقد استقبلناه بصور الشهداء تزين الشوارع، إن قصف إسرائيل للمساجد دليل على إفلاس أهدافه، لقد ظن الصهاينة أنهم باستهدافهم للمساجد سوف يقضون على جذوة الإيمان وفكرة المقاومة إن هذا لن يزيدنا إلا إيمانا بمبدأ الجهاد وبخيار المقاومة، وسينتقم الله تعالى لبيوته، أما نحن الأطفال فإننا لن نكون أبدا لقمة سائغة بل سنكون علقما في حلق الصهاينة ..."
يا لها من أجوبة بليغة: فهل نحن أمام صبي يافع أم أمام فارس قائد.
ومن بين أهم ما شد انتباهي في خطاب أمجد الارتجالي لما سأله زميله عن كلمة يثبت بها أهل غزة ويخفف عنهم مصابهم، أجابه بقوله تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين
ثم تلا قوله تعالى أيضا: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا" ثم قال أمجد عبارة رائعة - تنم عن فكر راشد ونظر ثاقب- :"بكم يا مجاهدينا سترتفع راية الإسلام خفاقة في بريطانيا وفرنسا وفي كل بقاع الأرض". ما أعذبه من كلام وما أروعه من جواب، إنها غزوة الأحزاب جلية بحلتها الجديدة في عصرنا، لما كان الرسول صلى الله عليه وأصحابه محاصرين من الأحزاب مضطهدين قليلين يحفرون الخندق بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والروم، وها هو ذا الطفل الفلسطيني القائد يعلمنا فن النظر البعيد والتفكير المستقبلي وحسن الإيمان بالله واليقين بنصره وحسن التوكل عليه. والله إنها الحكمة بعينها فمن أي مدرسة تخرج أمجد، إنها مدرسة المقاومة والعزة، لا مدرسة الانبطاح والذلة. لقد كان البديهي أن يتحدث عن أمله في هزيمة إسرائيل واستعادة أرض فلسطين كهدف يمكن أن يتصوره من هم في مثل سنه، وهو المظلوم المحاصر إلا أنه لم يذكر أيا من تلك، لقد قال بلسان الواثق الصبور:
"صبرا يا مجاهدينا، بكم سترتفع راية الإسلام في بريطانيا وفرنسا وفي بلاد الغرب... "
ثم ختم كلامه بدعاء مؤثر بليغ أن ينصر المجاهدين وأن يدمر الصهاينة الظالمين
إن المدرسة التي خرجت أمجد وأمثاله ستعيد لفلسطين كرامته واستقلاله فلنتعلم من أطفال غزة معاني الإباء والعزة، والصبر والإيمان، ولنرب عليها أطفالنا ولنعلمها تلاميذنا حتى ترتفع راية الإسلام خفاقة في أرض العرب وفي بقاع الأرض فأنتم القدوة والسليل يا أطفال غزة .