-منْ حفِظَ القرآنَ ونسيَهُ :
الاختلافُ بين علماءِ الدين في مسائل فقهية معينة رحمةٌ إن لم يُصاحبهُ تعصبٌ وبشرط أن يكونَ اختلافَ تكامل لا تضاد وتعاكس .
ومن المسائلِ الخلافيةِ في الدين والتي يجبُ أن نعلمَها حتى نرفعَ الحرجَ عن أنفسِنا أو عن بعضِ الناسِ :
من حفِظ القرآنَ ونسيَه : قال بعضُ العلماءِ بأن كلَّ مسلم حفظَ شيئا من القرآن ثم نسيه يُعتبرُ آثما . ومنه يجبُ
– على رأيِ هؤلاءِ - على كل من حفظَ ونسيَ أن يراجعَ في الحين كلَّ ما حفظَ حتى يُعفيَ نفسَه من الإثم ومن عقوبةِ رب العالمين . لكن ذهبَ آخرون من العلماء إلى أن النسيانَ جائزٌ وأن الناسي يستحبُّ له أن يراجعَ ما نسي فإن تذكرَ فذاك , وإلا فلا حرجَ عليه من الناحية الشرعية بإذن الله وقالوا بأن "مَنْ حَفِظَ القرآنَ ثم نَسِيَهُ لقيَ اللهَ وهو أَجْذَم" هو حديثٌ ضعيف عند أهل العلم لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . صحيحٌ أن من حفظ القرآن أو حفظ شيئًا منه فقد أوتي نعمة عظيمة وخير كثير ، ومنه فلا يليقُ بهِ أن يفرط بهذه النعمة وبهذا الخير العظيم ، بل المطلوبُ منهُ أن يتعاهده بالإكثار من تلاوته حتى يبقى حافظا له ومنـتـفعا به ، مع ما في التلاوة من الأجر العظيم . ولكن إذا نسيه – وقد حاول أن لا ينساهُ - فهو معذور شرعًا بإذن الله على الأقل عند بعض العلماء . وما دامت المسألةُ خلافية فلكلِّ فريق أدلـتُـه القوية أو الضعيفة , والمصيب له أجران والمخطئُ له أجرٌ واحدٌ , ولا لومَ على من أخذَ بهذا القول أو ذاك , والله وحده أعلم بالصواب .
3- ما حكمُ من يُقَلِّبُ أوراقَ المصحفِ بالريق ؟ :
ذهب أغلبُ العلماء إلى تحريم بلّ الأصابع بالريق لتقليب أوراق المصحف بها . وهذا الفعلُ وإن كان حراما ، لكنه لا ينبغي أن يُتجاسرَ على القولِ بكفرِ صاحبِـه ورِدته بذلك ، لأن من يفعلُ ذلك لم يقصدْ بذلك التحقيرَ للمصحفِ وللقرآنِ الذي هو موجبٌ للكفرِ في مثل هذه الأمور , وإنما هو يقصدُ فقط تسهيلَ عمليةِ تقليبِ أوراقِ المُصحفِ ليس إلا . وقد ذهبَ بعضُ علماءِ الشافعية المتأخرين إلى جواز إلقاء البصاق على اللوحِ الذي كُـتِـبَ فيه قرآنٌ لإزالة ما فيه ، لأن فاعلَ ذلك لا يريدُ بذلك الاستخفافَ . وعلى هذا , وما دامت المسألةُ خلافية , وما دام الجمهورُ يقولُ بالحرمة , وما دام الشخصُ يمكنُ – وبسهولة – أن يُـقلِّبَ أوراقَ المصحفِ بدونِ استعمال الريق ، فينبغي توقي ما يلاحظُ عند كثير من المسلمين اليوم من تقليبِ أوراق المصحف بالريق خروجا من خلاف العلماء وتوقيرا لكتاب الله عز وجل , أي ينبغي الحرص الدائم والمستمر على تجنب تقليب أوراق المصحف بالريق ما استطاع المسلمُ إلى ذلك سبيلا .
قال الله تعالى: "وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ" [الحج: 30]. وقال تعالى: "وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ" [الحج: 32].
والله ورسوله أعلم .